الصفحات

21‏/09‏/2013

عن رسالة ..


هذه كلمات صديقة مغربية كانت قد أرسلت لـ والدها تلك الرسالة على صفحتها الخاصة بـ الفيس بوك ..


"اضيع. أوّل كلمة تتفتّقُ في تمزُّق كوراليِِّ بكلِّ تصريفاتها و مشتقّاتها٬من شرنقة الرُّوح٬حين تغيب. غيابك يلغيني٬ينفيني في خيمة لاجئين بأرض بها وهج السراب٬قُروح الخراب٬و دودٌ مجذوب٬سكران٬لا يصحو٠

الصّحو في قاموسي يخْبو و يُهْمل الإيقاع علو وشم السيقان فلا يعود. الصحو في غيابك يكون حالة سُكر مُبارك٬كسُكر العاشقين و الأنبياء... تغيب عنِّي و أغيب فيك٬منك و لك...غيابا مقدّسا تتنفّسُ له رئة واحدة و ينشد فيه الصمت تعاويذ الإهمال و لغة القساوسة٬فيختنق السُّعال في مساحة السؤال.

صحيح أنني قبلك كنت ضائعة٬بوهيميّة٬تكتحل برماد خيباتها قبيل مطلع الفجر..كنت أسافر كرسالة بلا عنوان٬بل طابع بريدي٬من مدينة الى أخرى٬فيضجر ساعي البريد و يدفنني بيد واحدة دون أصابع٬بين سنابل ضاع لونها٬ريحها٬و حلمها تحت سماء من رخام قوطيّ مجدول.

صحيح أنني كنت أشرب ضياعي في فنجان زهريّ اللون٬ لكنه مكسور٬يظلُّ دوما مُغبرًّا٬شريدا٬ساخطا٬مهما سكبْتُ من دمْعي و دمي لأنظفه٬أو على الأقل لأُبْعد عنه رائحة المقابر المختنقة بمنِيّ الغول و المغول.

صحيح أنني قبلك كنت ضائعة في أحياء الذاكرة٬كنت جثّة ملغومة بخيوط العنكبوت و رصاصات فارغة٬تمنّيت أن أصيب بها يوما أبي و كا الذين لعنْتُهم أمام المساجد٬أمام الصليب و أمام عظام الكلس و العلامات المُفتضَّة عُذريّتها...

صحيح أنني ضعت قبلك في عيون الغابرين٬في حقائب المسافرين٬في مخاض الفصول٬في جثث المعتوهين و أحلام النّكّاحين المُشوّهة...كنت أضيع و أضيع و أضيع حتى استهويتُ لعبة السبح ضِدّ التيار٬حتى استحْليْتُ مضاجعة الضيـاع.
فأصبحتُ أُبارك ضياعي و أقدِّمُ له دموعي٬أشلائي و انكساراتي قُربانا كل يوم و كل ليلة.
لكن ليس بعد الآن أيها الغريب الحبيب الآتي من اللاّأين و اللامكان...
أتعرف أن من هي مثلي ليس لها ما تفقد٬ليس لها من تفْتقد٬ليس لها دمية ولا سكاكر ولا نوطات محتلمة٬تضيع بدون تردد ولا خوف لأن لضياعها حصيلة خالية من أية خسائر٬ما عدا بعض الجروح الطفيفة المتطايرة٬كزبد البحر٬كرُفات اللّقالق٬كبخور الضّريح.

حين تغيب يا سيدي٬ تغيب المواسم٬و تغيب اللغات و الرُّموز٬تغيب الشعائر و الصلوات،تغيب أحذية النّشّالين و محافظ المتسوّلين٬و تغيب الرُّموش عن عيون العذارى و العاهرات.
حين تغيب تفرّ الزَّوارق٬تعمى البحار التي في الصُّدور و تتشكّل الحُمّى عناقيدَ دم مرجاني وحشيّ يحرق عُرِيّـي.

حين تغيب أضيع و لكن هذه المرّة يزداد همّ البحث عنك،تقفّي آثارك في قلبي و على جسدي٬أضيع و أنا أتجرّع مرارة الشوق و لوعة الغياب... فتحْـتمي رغبات مجنونة بداخلي..أن أقص شعري٬أن أستحمّ بألوان مائيّة و أنا أفترش جرائد البارحة و أشرب نبيذا قُـطبيّا في رضّـاعة طفل مُـعاق يُـحْتضر.
أن أبكي دون توقّف تحت شجرة التِّـين أو الزيتون..حتى تتورّم الثمار و يُـقْرنَ اسمها باسمي في الفرقان.

لأن دموعي لأجلك حبيبي طاهرة٬بريئة٬تصلّـي للرّبّ في انهيارها و يصلي لها الرب في احتباسها... عيوني مسجد دموع تعْشقُـك أنت..و لم تُـشْرك بك يوما أحدا.

حين تغيب يا حبيبي٬ تسْقُط جُـبّةُ الدّراويـش، تحترق سُـبْحة الصُّوفـيّ٬تتورّمُ نُـهود المومس، و تُصاب الضفادع و النوارس بِـحُـمّى الشُّـذوذ..حين تغيب أضيع..

 
إهداء الى صديقي و قارئ أفكاري و كلماتي .. "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق