الصفحات

21‏/09‏/2013

كافكا .. والمسخ



"يستيقظ جريجور سامسا ذات صباح بعد احلام مزعجة ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة هائلة الحجم" .. #كافكا - "المسخ"

أتخيل فرانز كافكا وهو جالس خلف مكتبه بذلك الجسد النحيل الذى يذكرك دوماً بأجساد اليهود بـ معسكر "أوشفيتز"، يفكر فى كتابة تمهيد لكيفية تحول جريجور سامسا لـ حشرة وعندما يضنيه التفكير يقرر ان يكتب مباشرة هذه الجملة ليبدأ بها الرواية .. مقدمة تخبرك ان بطل الرواية قد تحول لـ حشرة بكل بساطة، مقدمة اعتبرها الروائي الكولومبي "جابرييل جارسيا ماركيز" أعظم أفتتاحية يمكن تصورها لرواية، وبفضلها قرر "ماركيز" أن يصبح روائياً

ذلك الفتى الذى أضاع خمس سنوات من عمره يستيقظ مبكراً كل صباح، متنقلاً بين القاطرات والسفر لـ المدن البعيدة ومشقة البقاء خارج المنزل لـ أيام ليعول أسرته بعد ان بارت تجارة والده منذ خمس سنوات وأكتفى الأب بالجلوس فى المنزل وأصبح جريجور هو الذى يتولى كل شئون الاسرة بمفرده، لم يمتعض جريجور يوماً بل كان يعطى ويهب أسرته كل ما يأتيه من نقود عن طيب خاطر، وكم كانت احلامه كبيرة ليست لنفسه بل لـ أسرته خصوصاً شقيقته عازفة الكمان، تلك الفتاة الجميلة التى تبلغ الـ 17 عاماً التى أحبها جريجور حباً عظيماً لدرجة أنه كان يدخر لها مبلغاً من المال كى تدخل معهد الكونسرفتوار لتكمل تعليمها، كما كان يتمنى أن يحرر والده من ثقل الدين الذي عليه.

عندما أستيقظ جريجور صباحاً ورأى نفسه قد تحول لـ حشرة لم يفكر فى نفسه ولكن فكر فى كيف يختلق عذر للتخلف عن العمل والسفر اليوم، لم يفكر فى جسد الحشرة الملقى على سريره وكيف تحول لذلك المسخ .. فقط فكر فى أجازة عن العمل حتى يعود لطبيعته .. العمل الذي يعيله ويعيل أسرته ويجعلها تعيش الحياة بشكلٍ مريح .. ولكن عندما رأته أسرته كانت ردة فعل أبيه وامه وأخته أنهم تناسوا أن هذا المسخ كان إنساناً .. وبدءاً من اليوم يتم معاملته كحشرة بتقزز وإزدراء، فيما عدا أخته التي بقي في قلبها قليل من حب وذكرى لأخيها فكانت تحرص على إطعامه، ولكن ما بقى فى قلبها من حب ينتهى فى النهاية لتكون هى أول من يفكر فى التخلص منه .. التخلص من أخيها .. او الحشرة التى فى يوماً كانت أخيها.

يحاول جريجور التشيث بـ أدميته وهو مقتنع أنه ذات يوم سيعود كما كان ولكن تشبث الحشرة جريجور بإنسانيته يدفع العائلة للإنزعاج والعنف ضده، مجرد حشرة كانت فى يوم فرد من أسرتهم هى الآن محبوسة فى الغرفة المجاورة لهم، أبيه الذى ظل خمس سنوات جاس فى المنزل بعد بوار تجارته كان قادر ع العمل وإنه كان يدعى العجز حتى يجعل جريجور هو الذى يتولى كل شئون الاسرة بمفرده لم يتذكر أبيه كل ذلك ولكن بدأ فى إيذائه جسدياً بعد تحوله .. أمه واخته يبدأوا بـ طمس وجوده خطوة بخطوة بدء من قرار الاخت إخلاء غرفته من كل الاثاث بحجة عدم حاجته لها، وعدم الاهتمام بشئونه ع الاطلاق، والاكتفاء بتقديم طعام قذر له دون تحمل مشقة معرفة هل هذا الطعام يناسبه ام لا فهو فى النهاية مجرد حشرة ..

فى النهاية ينقطع جريجور عن الطعام ويظل مختبئاً تحت الأريكة طوال الليل والنهار .. وذات يوم عندما يسمع عزف اخته على الكمان يجر أرجله الواهنة رغم جراحه الملتهبة لـ يراها وهى تعزف، كم كان يتمنى أن يذهب تحت أقدامها ليؤكد لها أن روحه البريئة المليئة بالمشاعر الطيبة مازالت موجودة وانه يحبها، وما أن يروه حتى تصرخ أخته ويغمى على وادته ويريد أبوه البطش به، وحين يدخل غرفته يسمع اخته وهى تصيح أنه يجب التخلص منه يجب أن يموت، أنه لم يعد جريجورى أنه حشره لم تعد بينهم وبينه أى صلة .. ورغم أنه سمع كلام أسرته فى وجوب التخلص منه كان جريجورى يفكر بأسرته برقة وحب وكيف له أن يساعدهم .. يظل جريجور تلك الليلة مستيقظاً حتى الصباح .. وعند أول شعاع ضوء يصله من العالم الخارجى تتهاوى رأسه وتخفت أخر أنفاسه .. ليموت حزناً، فـ حبه الشديد لهم منعه من تحمل أن يحيا كائناً غير مرغوب فيه وسط عائلته.

تلك الرواية "90 صفحة" ستصيبك بالحزن والآكتئاب ... وكـ لعنة الفراعنة ستصيبك لعنة كافكا بالأكتئاب والحزن، وربما تسقط دموعك .. روحه الحزينة تتجلى فى كتاباته لدرجة أنها تنقل أليك أحزانه وكئابته مهما طالت السنيين.
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق