الصفحات

22‏/09‏/2011

الأقليات وحقوق الإنسان في مصر



بقلم الشهيد المقتول د. فرج فودة 


أخر الإسهامات الفكرية التي تقدم بها فرج فودة من خلال الملتقي الفكري الثالث الذي عقدته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان


مقدمة :
الأقليات المقصودة هنا هي الأقليات القومية تنحصر في أبناء النوبة ، والملاحظ أن قوميتهم دائبة في القومية الأم ، وقد ساهم تهجيرهم في أعقاب إنشاء السد العالي في إضعاف الدعوة النوبية ، وإن بقيت لأبناء النوبة خصائص لغوية وعرقية مميزة ، أما الأقليات السياسية فمجال الحديث عنها مختلف ولعله أرحب وأقل حساسية .
الأقليات الدينية أيضا والمقصود بها الأقليات التي تعتنق دينا مخالفا لدين الأغلبية، أو مذهبا ديناً متميزاً بسمات عقائدية وسياسية تعطيه قدراً واضحا من التميز العقيدي، وإن انتمي في إطاره العام إلي دين الأغلبية .
الأقليات الدينية بهذا المعني تشتمل ثلاث مجموعات محددة هي:
الأقليات القبطية (المسيحيين) – الأقلية البهائية – الأقلية الشيعية .
أما الأقلية اليهودية فيتراوح تقدير أعدادها بين العشرات والمئات ويبقي غير المؤمنين بالأديان ولا يوجد حصر لهم .

بانوراما إحصائية :
تثير الإحصائيات الرسمية مشكلات معقدة، فهي تقدر عدد المسيحيين في مصر بنحو ثلاثة ملايين وهو ما يرفضه المسيحيون المصريون بشدة، ويدللوا علي عدم صحة هذه الإحصائيات وتحيزها بأدلة متعددة، منها بطاقات شخصية لمسيحيين ثابت فيها أن ديانتهم هي الإسلام، ومنها تناقص عددهم في أحد الإحصائيات دون مبرر وتقديرات بعض المسيحيين تصل أعدادهم إلي ما يزيد عن عشرة ملايين، علي حين يذكر المخضرمون أن النسبة المعتادة للمسيحيين في مصر هي 8% ومعني هذا أن الرقم الأقرب للدقة يتراوح بين الخمسة والسبع ملايين، والمؤكد أن مجرد الحساسية من حديث الإحصاءات مؤشر خطير للتعقيدات والحساسيات المبالغ فيها في قضية الأقليات الدينية، وإذا كانت مشكلة إحصاء الأعداد ولو التقريبية لغيرهم لا تخرج عن دائرة التخمين، الذي قد يقترب من الواقع نتيجة الخبرة والاحتكاك الشخصي المباشر بهذه الطوائف، ومنها البهائيون الذين يتراوح تعدادهم في مصر الأن بين الخمسة ألاف والعشر ألاف، وقد ذاد عددهم أخيرا نتيجة للحملة المكثفة ضدهم، وهي حملة إعلانية تزامنت مع محاكمتهم أخيراً واستمرت بعد ذلك في الصحف والمجلات والكتب، وقد بدأت البهائية في مصر منذ 150 عاماً وقدر عدد الأسر التي كانت تعتنقها عام 1940 بنحو ألف أسرة وهي في نظر معتنقيها دين سماوي رابع، وأنبياءه ثلاثة هم : بهاء الله ، وعبد البهاء، وشوقي أفندي الرباني، والاثنان الأخيران زارا مصر أكثر من مرة وآخرهم توفي في لندن عام 1957 .

وكثير من البهائيين في مصر ولد لأب بهائي ، بعضهم لجد بهائي وأشهر كتبهم (الروضة البهية) تحوي رفات أحد أشهر فقهائهم وهو (الحرفا قداني) والغريب أن انتشار البهائية يمتد ليشمل عدة محافظات منها الغربية وبورسعيد والبحيرة، ولا يقتصر كما يتصور البعض علي القاهرة والإسكندرية وحدهما.    
ويبقي الشيعي، وإحصاءهم مشكلة هو الأخر، لأن التقديرات تشير إلي أن عددهم لا يتجاوز خمسة آلاف، لكن بعض الشيعة الذين إلتقيت هم يصعدون بهذا التقدير إلي ما يقرب من المائة آلاف، وأغلب انتشارهم في القاهرة والشرقية كما أن مساجدهم المعروفة وهي المسماة بالحسينيات ثمانية بالقاهرة الكبرى، ويتزعمهم حاليا أحد السياسيين البارزين .


الأقليات الدينية وحرية الاعتقاد
حرية الإنسان في ميثاق حقوق الإنسان مطلقة، والمقصود بإطلاق حرية الاعتقاد أن تشتمل حق الإنسان في أن يعتقد فيما يشاء، وفي أن يغير عقيدته كما يشاء ، وفي أي وقت يشاء .
مثل هذا المفهوم بهذا الاتساع لي وارداً لا في الدساتير المصرية ولا في نظرة المصريين، وحتى المثقفون منهم ، لهذا المفهوم السائد في مصر، رسميا وثقافياً وشعبيا أن الحرية معناها حرية الإيمان، وأنها مكفولة في اتجاه واحد هو الاتجاه للإسلام، وأنها مطلقة تماما داخل إطار العقيدة الإسلامية، فليست هناك مشكلة أبدا في الانتقال من المذهب الشافعي إلي المذهب الحنبلي، كما أن أحداً لا يستطيع أن يدعي أن هناك حجراً في الدخول في مذهب أبي حنيفة، ولم يحدث في تاريخ مصر، وهذا للإنصاف أن أحد منع مسلما من اتباع المذهب الملكي .

داخل هذا الإطار يدور فهم حرية الاعتقاد في مصر، وقد جرت عدة محاولات لصياغة ميثاق حقوق الإنسان ( الإسلامي ) . وحاول من صاغوا هذا الميثاق يوائموا بين الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وبين الميثاق الإسلامي . فاصطدموا بعقبات ثلاث، أولهما موقف ميثاق حقوق الإنسان من العقوبات البدنية ، وهو ما يتعارض مع تطبيق الشريعة الإسلامية، وثانيهما موقف ميثاق حقوق الإنسان من المرأة ، وهو ما يتعارض مع الفهم الخاص بالإسلام لدور المرأة طبيعة وإطار نشاطها داخل المجتمع، وثالثهما وهذا هو ما يهمنا الأن موقف الإسلام من(الردة) وبمعني أخر موقفه من إطلاق حرية الاعتقاد .

الموقف من البهائيين : نموذج صارخ
الدفاع عن البهائيين لا يعني الدفاع عن البهائية لكنه ببساطة شديدة هو الدفاع عن مفهوم حرية الاعتقاد كركيزة من ركائز حقوق الإنسان، إن الأغلبية التي تعتنق دينا سماوياً معينا ليس من حقها أن تنصب نفسها حاكماَ علي من يعلنون اعتقادهم بدين لاحق .
صحيح أنها لا تعترف به كدين، لكنها يجب أن تعترف بحق المؤمنين به في ممارسة عقيدتهم بحرية، المثال علي ذلك هو ما يحدث في دول أوربا، وأغلبها دول مسيحية والأغلبية المسيحية في هذه الدول لا تعترف بالقطع بظهور الإسلام، ولا بنسخه للعقائد التي سبقته، ولا بكونه دينا سماوياً، ومع ذلك فأنها لا تحجر علي حق المسلمين في إتباع الإسلام وهي تسمح لهم بتدريس الدين الإسلامي في الأماكن المخصصة لذلك وتسمح لهم ببناء المساجد، وبعضها يسمح لهم بشراء الكنائس وتحويلها إلي مساجد وكثير من هذه الدول تعلن أن الإسلام هو الديانة الثانية في الدولة بعد المسيحية وهذا ما أعلنته فعلاً فرنسا وهولندا وألمانيا .

الموقف في مصر بالنسبة للبهائية يختلف تماما:
البهائيون يعتبرون البهائية دينا ونحن نرفض ذلك حتى بالنسبة لهم، ونصر أنها نحلة إسلامية مارقة، نحن نفعل ذلك علي مستوي الإفتاء الديني، والسلوك الرسمي، والأحكام القضائية ومسلسل التعامل مع البهائيين يوجز باختصار فيما يلي:
1-      أفتي الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر بكفر "ميرزا عباس" زعيم البهائيين ونشرت الفتوي في جريدة مصر الفتاة 27/12/ 1910 بالعدد 292
2-      صدر حكم المحلة الكبرى الشرعية في 30/6/ 1947 بطلاق امرأة اعتنق زوجها البهائية باعتباره مرتداً .
3-      أصدرت لجنة الفتوي بالأزهر في 22/ 9م 1947 وفي 3/ 9/ 1949  فتوتين بردة من يعتنق البهائية .
4-      صدرت فتوي دار الإفتاء المصرية في 11/ 3/ 1939 وفي 25/ 3/ 1948 وفي 13/ 4/ 1950 بأن البهائيون مرتدون عن الإسلام .
5-      وأخيرا أجابت أمانة معهد البحوث الإسلامية علي استفسار نيابة أمن الدولة العليا عن حكم البهائيين بأنها نحلة باطلة لخروجها عن الإسلام للإلحاد والكفر، وأن من يعتنقها يكون مرتداً عن الإسلام .

 ثانياً :
عندما سجل البهائيون محفلهم في المحاكم المختلطة برقم 776 في 26/ 12/ 1934 حاولوا أن يوجدوا لهم صفة الشرعية لكن الحكومة قاومتهم ويتضح هذا مما يلي:
1-  قدم المحفل الروحاني المركزي للبهائيين في مصر والسودان طلبا إلي وزارة الشئون الاجتماعية لتسجيله، ورفض هذا الطلب بناء علي ما رأته إدارة قضايا الحكومة في 5/ 7/ 1947 كما رفض طلب صرف إعانة له من هذه الوزارة .
2-  رأت إدارة الرأي بوزارتي الداخلية والشئون البلدية والقروية في 8/ 3/ 1951 أن قيام المحفل البهائي يعد إخلال بالأمن العام وأنه يمكن لوزارة الداخلية منع إقامة شعائر الدينية الخاصة بالبهائية .

وقد تأيد هذا بما رآه مجلس الدولة في 26/ 5/ 1958 من عدم الموافقة علي طبع دعاية للمذهب البهائية لأنه ينطوي علي تبشير غير مشروع ودعوة سافرة للخروج عن الدين الإسلامي وغيره من الأديان المعترف بها ، ورأي منع ذلك لمخالفته للنظام العام في البلاد الإسلامية .

3-  حكمت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر في القضية رقم 195 بتاريخ 26/ 5/ 1952 برفض دعوي أقامها بهائي وجاء في تسبيب هذا الحكم تقريرها : أن البهائيين مرتدون عن الإسلام .
4-  صدر القرار الجمهوري رقم 263 لسنة 1960 ونص في مادته الأولي تحل المحافل البهائية مراكزها الموجودة في الجمهورية ويوقف نشاطها ويحظر علي الأفراد والمؤسسات والهيئات القيام بأي نشاط مما كانت تباشره هذه المحافل والمراكز ، ونص في مادته الأخيرة علي تجريم كل مخالف وعقابه بالحبس والغرامة .
5-  وتنفيذا لهذا القرار بقانون أصدر وزير الداخلية قراره رقم 106 لسنة 1960 بتاريخ 31/ 7/ 1960 بأيلولة أموال وموجودات المحافل البهائية ومراكزها إلي جمعية المحافظة علي القرآن الكريم .
6-  حكم بالحبس والغرامة في القضية رقم 316 لسنة 1965 علي عناصر من أتباع البهائية لقيامهم بممارسة نشاطهم في القاهرة كما قبض علي غيرهم في طنطا سنة 1972 وكذلك في سوهاج .
7-   قبض علي مجموعة منهم أخيرا في فبراير سنة 1985 برئاسة أحد الصحفيين وقد اعترفوا بإيمانهم برسول هو بهاء الله وكتابهم المقدس، وأن قبلتهم جبل الكرمل بحيفا في إسرائيل، وقد وجهت إليهم تهمة مناهضة المبادئ السياسية التي يقوم عليها نظام الحكم في البلاد والترويج لأفكار متطرفة بقصد تحقير وازدراء الأديان السماوية الأخرى .
8-  أوصي المؤتمر العالمي الرابع للسيرة والسنة النبوية بتحريم هذا المذهب وتجريم معتنقيه .

ولماذا نستشهد بما حدث للبهائيين ؟
لأن ما حدث لهم انتقاد صارخ لانتهاك حرية العقيدة، ونموذج واضح للفهم الخاص بنا لهذه الحرية، سواء علي مستوي الفكر أو التشريع أو الحكم أو المزعج حقا أن الكثيرين يتحاشون الحديث عن هذه القضية، لأنها تخص أقلية محدودة من المصريين وهؤلاء يتناسون ما حدث للبهائيين اليوم، يمكن أن يحدث لغيرهم غداً وأن المسلسل الذي بدأ بالبهائيين لابد أن ينتهي بالمسلمين المتنورين ما دمنا حددنا حرية الاعتقاد بالفهم الديني لها وليس بالفهم الإنساني الحضاري الواسع .
إن الموقف من البهائيين في مصر يؤكد حقيقة مفزعة لكنها حقيقة علي آية حال، وهي إننا رغم كل ادعاءاتنا حول حرية الاعتقاد، مازلنا بعدين جداً عن الفهم الصحيح لهذه الحرية، وإذا كان البعض ينادي بقتل من يمارس هذه الحرية، تحت مسميات براقة وجذابة ومثيرة للمشاعر الدينية، فما الذي يبقي لنا من هذه الحرية سوي الاسم، وما الذي نحمله لها سوي الإدعاء الكاذب .




وللأقليات الدينية المسيحية مشكلاتها : 
 وهي مشكلات أصبحت متداولة ومعروفة الآن، بعد أن وقعت حوادث الفتن الطائفية المتلاحقة للمسيحيين لأول مرة منذ أوائل القرن إلي التعبير بوضوح عن مشكلات حقيقية يعيشونها في مصر. إن هذه المشكلات باختصار تتمثل في :
1-              قانون الخط الهمايوني وقرارات العزبي باشا (وكيل وزارة الداخلية) التي تحظر بناء الكنائس إلا بقرار جمهوري والتي تحظر أيضا ترميمها بقرارات جمهورية وقد نشرت جريدة وطني قرارا جمهوريا صدر في العام الماضي لترميم دورتي مياه بكنيستين .
2-              التعصب الوظيفي علي المستوي الحكومي والذي تحول إلي ما يشبه العرف في بعض القطاعات مثل الشرطة والجيش وفي كثير من مناصب الإدارة العليا .
3-              تشجيع تحول المسيحيين إلي الإسلام ومقاومة العكس وهي مقاومة تصل إلي حد الاعتقال دون أحكام قضائية، وهناك وقائع موثقة بالأسماء في هذا الشأن .

إن المشكلة هنا ليست أجهزة رسمية فقط بل مشكلة رأي عام شعبي يفهم حرية الاعتقاد بأسلوبه الخاص، والتحرك الرسمي متغير تابع لهذا الرأي العام وليس متغيرا مستقلاً أو مطلقا، فمن السهل جداً أن تزان هذه القرابة أو المدينة الصغيرة بالزنيات، وأن تمتلئ بالانفعالات إذا تحول مسيحي إلي الإسلام ومن السهل جداً في المقابل أن تحترق بالفتنة وأن تشتعل بالنزاع المسلح والتخريب إذا حدث العكس، وقد حدث في السبعينات أن اشتعلت مدينة الإسكندرية ( التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين) بمشاعر الغضب والمظاهرات لمجرد أن إشاعة انطلقت عن تحويل أربعة من المسلمين إلي المسيحية وقد تحريت القصة فاكتشف أنها حقيقة لكنها تتحول اثنين من المسلمين إلي المسيحية وقد اعتقلتهما أجهزة الأمن لفترة بهدف حمايتهما واستتباب الأمن ثم أفرحت عنهما وانتهي الأمر بأحدهما إلي الهجرة خارج البلاد .
الطريف هنا أيضا إذا كان فيما نذكره أي قدر من الطرافة، أن الشاب المسلم سابقا والمسيحي حاليا والذي هاجر خارج البلاد، قد تعرض خلال فترة إقامته بمصر بعد اعتناقه المسيحية لاضطهاد من نوع غريب، أتي هذه المرة من بعض المسيحيين الأرثوذكسي المتعصبين الذين طاردوه باتهامه باعتناق الـ (بروتستانتية) وأدانوه أن عقيدته ليست أرثوذكسية خالصة وقد صارحني أحد أصدقائه المقربين بأن هذا كان أقوي أسباب عزمه علي الهجرة .

إن أي اتجاه لدعوة المسيحيين لاعتناق الإسلام في مصر يجد ترحيباً شعبيا ويعتبره الكثيرون واجبا دينيا وتغمض السلطات أعينها عنه بل وتساعد عليه في كثير من الأحيان وفي المقابل بالطبع فإن أحداً لا يتخيل حدوث جهد منظم في الاتجاه العكسي ولو حدث ما يشبه ذلك بجهد فردي لأصبح تندرج تحت بند (إثارة القلاقل)، وخطورة ما أذكره هنا أن فهم حرية العقيدة علي المستوي الرسمي سوا كان الحكومي أو الإعلامي أو التعليمي، الدعوة إلي تحويل مصر إلي دولة دينية يحل في الانتماء الديني محل انتماء الوطني أو يسبقه علي الأقل، ويتم إلزام غير المسلمين بإتباع شرائع المسلمين وبالدفاع عن ( دول الإسلام) .
إن كاتب هذه السطور يعتقد أن علمانية مصر أو مدنية الحكم فيها هي التي حفظت الوحدة الوطنية متماسكة فيها خلال القرن الأخير رغم كل المشكلات، وهو يعتقد أيضا أن الدعوة لتحويل مصر إلي دولة دينية هي السبب الحقيقي في توتر المشكلات الطائفية وتتابعها خلال ربع القرن الأخير وهي الكفيلة باستمرارها في نسف هذه الوحدة الوطنية نسفاً، وإدخال مصر في مسلسل من الفتن يسهل أن تتحول إلي حروب أهلية حقيقية لن يكون طرفاها المسلمون والمسيحيون بل سيكون أحد طرفيها المسلمون والمسيحيون المتعصبون وسيكون الطرف الأخر شاملاً للمسيحيين وللمسلمين المتنورين وللمؤمنين بحرية الاعتقاد كما يجب أن تكون .

أن حضارة العصر لا تتسع لدولة دينية متعصبة، وقد أضفت هنا لفظ (متعصبة) لأنه لزوم ما يلزم، فالدولة الدينية والتعصب وجهان لعملة واحدة هي الشذوذ والرجوع خلفا في وقت يتوجه فيه العالم إلي الأمام .
إن الدعوة لتحويل مصر إلي دولة دينية هي التعبير السياسي عن دعوة أخري تبدو وكأنها دعوة لتطبيق تعاليم الدين أو دعوة لتعديل النظم التشريعية وأقصد بها الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية وهي دعوة لا ينكر أصحابها أن (الردة) جريمة تستحق الاستتابة والعقاب، ولست أظن أن أحد يمكنه بضمير مستريح أو بمنطق متماسك واضح أن يدرج الردة خارج أطار حرية الاعتقاد أو أن يعتبر مثلاً المرتد أو استتابته ممارسة لحرية العقيدة المطلقة، إن أسوأ ما يمكن أن يحدث لباحث هو التردد أو التحسب أو الخوف وأحسب أن كاتب هذه السطور خارج هذا الإطار ولهذا فإنه من المناسب هنا أن أوضح ما أقصده تحديداً وهو أن الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر بما فيها حد الردة يمثل انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان وتحديدا لحرية الاعتقاد التي لن يصبح لها معني ولا دلالة ولا وجود في ظل هذا التطبيق .

بالنسبة إلي الإعلام والتعليم انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة (النجوم الدينية التلفزيونية) حيث شجع التلفزيون بعض الرموز الدينية علي التواجد الإعلامي الواسع الملمح المستمر وأفراد لها مساحة كبيرة ظناً منه أنه بهذا يحارب التطرف والتعصب في آن واحد ورغم أن الثابت لدينا أن التطرف والتعصب قد اتسعت مساحتها بالتوازن مع اتساع مساحة التليفزيون لهذه الرموز إلا أن ما يعيننا هنا هو أن بعض الرموز الدينية الشهيرة أو تحديداً الأكثر شهرة قد تعمدت خلال تفسيرها لآيات القران الكريم أن تركز علي الآيات التي تتعقب عقائد المسيحيين وتسفه ما ورد في كتبهم المقدسة وتثير مشاعرهم إلي أقصي حد وبديهي أيضا أنه من المستحيل أن تتاح لهم الفرصة علي نفس المستوي لتوضيح ما يوجه إليهم من اتهامات أو تفنيدها ... هذا عن الإعلام المرئي أما المطبوعات (الأهلية) فقد لفحت بكل ما هو مهين أو مشين أو مسفه لعقائد الآخرين ورغم أن فرصة الرد هنا قائمة إلا أن محاذيرها واضحة وأولها إثارة الفتن الدموية التي سوف تدفع الأقليات فيها وثانيهما الخوف من الاتهام أو الاعتقال وكليهما سوف يجد عشرات الأسباب المنطقية التي تسانده أو تفسره وتبرره .
من هنا يمكن فهم انحسار هذه الردود داخل إطار أماكن العبادة وانتشار تسجيلات رجال الدين الذين يردون علي الشبهات الموجهة لعقيدتهم الخاصة بهم وتقوقعهم داخلها وداخل أنفسهم باعتبارها خط دفاع أخير عن عقيدتهم التي يتمسكون بها، وإذا كانت الصورة هكذا في مجال الإعلام فهي في مجال التعليم ليست أسعد حظاً فهناك الكثير من الدروس الدينية التي تؤكد التعصب أو التمييز وهي في كل الأحوال تعمق التفرقة، وهناك ما هو أخطر من هذا بكثير وقد سبق أن عرض كاتب هذه السطور في مقال أثار المؤسسة الدينية وأستدعي أن يطلب شيخ الأزهر نفسه لقاء السيد الرئيس .

وأقصد به ما أؤكده هنا وهو أن جامعة الأزهر بشكلها الحالي تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان في مصر، إن جامعة الأزهر تقتصر دخولها علي المسلمين حتى قبل أنها تقصر الالتحاق بها حاليا علي خريجي المعاهد الأزهرية وهي تقبل في كلياتها كل المسلمين بمجاميع منخفضة وهي أيضاً لا تقتصر علي كليات أصول الدين أو الشريعة أو الفقه بل تمتد إلي كليات الهندسة والزراعة والطب وغيرها وهي مجالات لا علاقة لها بالعقيدة من قريب أو بعيد . إن معني هذا ببساطة أن هناك نظاماً تعليميا دينيا يقتصر دخوله علي المسلمين فقط ويميزهم عن غيرهم في مجالا ليست دينية بطبيعتها أو بمحتواها والعجيب أن جامعة الأزهر هذه يتم تمويلها من حصيلة الضرائب التي يدفعها المسلمون وغير المسلمون وبمعني آخر فإن المسيحيين في مصر والبهائيين كذلك يمولون جامعة لا يستفيد أبناؤهم منها وهو وضع فيه خلل هائل . والذي يتردد في قبول ذلك المنطق أو يفاجأ بع عليه أن يسأل نفسه: هل تسمح السلطات في مصر في المقابل بإنشاء نظام تعليمي مسيحي مواز يقتصر القبول فيه علي المسيحيين وتتاح فيه الفرصة لهم بدخول كليات طب وزراعة وهندسة (مسيحية إكليريكية) يتم تمويلها من خزانة الدولة ؟ هل يقبل المصريون أن يقتصر دخول المدارس التي أنشأتها الطوائف الدينية في مصر وهي منتشرة في أنحاء مصر كلها علي المسيحيين وأن يكون كل العاملين فيها من المسيحيين ويحظر أن يعمل فيها أو أن يقبل فيها مسلم واحد كما يحدث في المعاهد الدينية الأزهرية .

إن تحاشي الحوار حول ذلك أو مناقشة دليل علي أننا ننتقد النعام الذي يخفي رأسه في الرمال ليس لأننا نرفض ما يفعله أو نسخر منه، ولكن لأنه يذكرنا بشئ فينا وبممارسة نمارسها وبأسلوب نتعايش معه دون خجل .
ثم نتحدث بعد ذلك عن حقوق الإنسان وعن حرية الاعتقاد من أين يأتي الخلل في مفهوم الاعتقاد؟ هذا هو السؤال الذي يبحث عن إجابة نعرض اجتهادنا فيها علي النحو التالي :
أولاً : الخلل الأول خلل ثقافي يتمثل في سوء الفهم لحرية الاعتقاد وتصور أنها تعني حرية الإيمان (بالإسلام) وتخيل أنها طريق ذو اتجاه واحد مصلحته النهائية هي العقيدة الإسلامية وهو خلل يحتاج في تقدير كاتب هذه السطور إلي أجيال لإصلاحه .
ثانياً : النصوص الدستورية وأولها النص الذي يذكر أن (مصر دولة إسلامية)، وهو نص أسئ فهمه وتأويله وتحول إلي قيد علي حرية العقيدة ، وهو نص مقبول في إطار كونه نصا ( إحصائيا) يفيد أن الأغلبية مصر من المسلمين إما أن يتحول إلي نص له دلالته التشريعية والدينية فالأولي هنا بوضوح شديد أن يرفع من الدستور المصري .

إن غير المسلم مواطن مصري كامل المواطنة ولو فهمنا أن مصر دولة إسلامية علي أنه نص يفيد أن مصر وطن المسلمين لأصبح غير المسلمين مواطنين بالانتساب أو غير مواطنين وهو ما يأباه الضمير والوطن .
أيضا فإن فهم هذا النص في اتجاه التزام مصر بإطار الدين الإسلامي في كل سلوكياتها يؤدي في النهاية إلي إحلال مفهوم الدولة الدينية محمل مفهوم الدولة المدنية وهو ما يأباه كاتب هذا السطور إن الدين الإسلامي شأنه في ذلك شأن  كل الأديان له كل الاحترام والتوقير لكنه في النهاية ملزم للأشخاص المقتنعين به حين يعتقدون أنه علي إتباعهم لأوامر ونواهيه يثابون. أما الدولة فهي شخص معنوي لا عقيدة له ولا ثواب ولا عقاب .
أما النص الثاني الذي ينبغي التوقف عنده فهو النص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع . وللأسف الشديد فإن من يقرؤون هذا النص ويستشهدون به يرفعون لفظ (مبادئ) أن الشريعة الإسلامية عامة ومرنة وواسعة وهي لا تختلف عن مبادئ كل الأديان أما الشريعة ذاتها فهي أمر مختلف .
ويبقي النص الأخر وهو النص علي أن حرية الاعتقاد مطلقة فقد كان الأصل في النص عند وضع دستور 1923 هو أن ( حرية الاعتقاد الديني مطلقة) وقد رفع اللفظ (الديني) من النص وكان الهدف من ذلك ما قرره الشيخ (بخيت) في الأعمال التحضيرية لدستور 1923 من أن الاعتقاد شئ والدين شئ آخر والنص بعد التعديل كما ذكر الشيخ بخيت وأيده الأنبا ( يوأنس) يحمي المسلم الذي يؤيد مذهبه من شافعي إلي حنبلي أو من شيعي إلي سني أو ينضم إلي فرقة من فرق السنة كالخوارج والمعتزلة كما يحمي المسيحي الذي يدعي الكثلكة أو يتمذهب بالبروتستانتية ولكنه لا يحمي المسلم الذي يرتد عن دينه .

بهذا الفهم الذي ارتبطت به كل الدساتير اللاحقة تم تخليص الدستور من شبهة حرية الاعتقاد كما ورد في حقوق الإنسان ومازال هذا ساريا حتى اليوم وتأخذه به المحاكم في قضايا حرية الاعتقاد للأسف الشديد .
وفي اعتقاد كاتب هذه السطور أنه من الضروري أن يعود النص إلي أصله وهو (حرية الاعتقاد الديني مطلقة) مع توضيح لا يخرج عن إطار ميثاق حقوق الإنسان الذي وقعت عليه مصر حتى يزول اللبس الذي أوجدته تفسيرات الأعمال التحضيرية لدستور 1923 والتي ظلت مرتبطة بالنص والمفهوم حتى الأن .
ويبقي الحل وبعضه في يد بشأن الخط الهمايوني والتعصب الوظيفي والإعلام والتعليم وبعضه في يد المستقبل بشأن التعديلات الدستورية وبعضه بل أغلبه في ضمائر المثقفين وغير المثقفين، وتغير الضمائر والثقافة المتوازنة والخلط السائد في القيم والمفاهيم يحتاج إلي أجيال .

شئ واحد نستطيعه الأن هو أن نكشف العري والزيف والوهم ولعل هذا هو ما حاولناه أما الذي نؤكده فهو أن التعرف علي المشكلة هو نقطة البدء لطريق الحل وهو طريق أقصي ما نحلم به أن يمهده أولادنا ومن أجل هذا فقط كتبنا ما كتبناه .






17‏/09‏/2011

الكلاب ..... عبد الرحمن الابنودى

الكلاب.. تسكت.. وتنبح
الكلاب.. تقفل.. وتفتح
الكلاب.. تمنع.. وتسمح
والكلاب.. تخسر.. وتربح

***
نبحها في الليل غريب
صمتها دايما مريب
عالبيبان واقفه مناوبه
دشمه لا تشبع متاوبه

***

لو أكلت اللقمة تنبح
لو رميت اللقمة تنبح
لما تتاوب مابتداريش نيابها
لما نسكت تبقى هادية
لما نتكلم تعبر
!!- فى وضوح - عن اكتئابها
علمتنا لاكتئاب..
الكلاب

***
طالعه نازله كالمكوك
بس يزعجها ادان الفجر وصياح الديوك
عارفه سكه المناطق الجديده
والحوانيت والاوتيلات الجديده
تشرب القهوه وهي قاعده بتفلي الجريده
تعرف العمله اذا قلقانه ولا مطمئنه
متقابلهاش الا ع باب النوادي والبنوك
في الصور تظهر وتوضح كل مشبعنا غياب
الكلاب

***
لما بتعدِّى... نوسّع
لو نناقشها تسرسع
!!الكلاب تنبح ولكن مش بتسمع
أى كلمة لو نقولها
تتنفض.. ترفع ديولها
قد ما تضيق الحياة قدام عيوننا
قد ما قدامها توسع
 الكلاب 

***

لما بتشوفنا تبصبص
فى الحوانيت الرخيصة تحتقونا
لما نسأل ع اللى أرخص
عارفة أحوال الجميع
من غير سؤال
من غير ما تفحص
ليها نظرة لا تَخيب
نبحها دايما غريب
صمتها قاسى مريب
كل ما اتناصحنا بنلاقيها أنصح
كل ما نسكت نلاقى سكوتها أفصح
فى العراك تعرف تحارب
فى البُرص تعرف تضارب
تشرب فى الأسواق بتتمايل
..وتغلب أى شارب
قاعدة على أعلى المكاتب
نايمة على أغلى المراتب
دخلها عمره ما ينقص
لو نجحْت تقف فى ريحك
لو تموت عارفة ضريحك
لو وقفت لها تزيحك
الله غالب
الله واخد الله جايب
واللى جاى هوهّ اللى انْقَح
..موتوا حلم الأحبة والصحاب
الكلاب

***

لو تعضك إوعى تحدفها بطوبة
!!القوانين للعقوبة
والكلاب أم الخصوبة
ليها أطفال عُمى بكرة يفتّحوا
وينبحوا
من غير صعوبة
يخرجوا طوفان على قلب المدينة
إللى مالهاش حاجة فينا
.يخرجوا طوفان يحِرُّوا برد طوبة
واحنا ما فى اليد حاجة
سُذَجا.. آخر سذاجة
ماكتشفناش انها نباح وعض
.كان بقى لنا قصور ومال ياما وأرض
بس لو كان علمونا كُرْه بعض
كان زماننا بننجحوا
كان زماننا بنسكتوا وبننبحوا
وبنقفلوا.. وبنفتحوا
 زى الكلاب






14‏/09‏/2011

الاسطورة الفارسية

عشية موقعة القادسية، تقول الأساطير الفارسية إن رستم القائد الفارسي النبيل
والعالم بالأخبار والنجوم أدرك من رؤيا بالمنام ومن استطلاع النجوم 
أن نهايته ونهاية الإمبراطورية الفارسية آتية لا محالة على أيدي العرب الفاتحين، فأرسل رسالة أدبية بديعة لأخيه بهذا المضمون قبل أن يقتل بساعات
نص الرسالة الأسطوري في  الشاهنامة “ملحمة الثقافة الفارسية” 
يوحي بتحرر للنفس من خلال المعرفة بالمستقبل حتى ولو كان يفضي للموت المحقق…... تماما عكس أسطورة أوديب عندما اقترنت المعرفة بالبؤس والشقاء
تذكرت هذه الحكاية عندما أخذت أفكر في ضآلة فرص التحول الديمقراطي الحقيقي
في مصر بعد الثورة، وكيف أن المجلس العسكرى والإسلاميين وبعض القوى المدنية قد ساهمت بحرص وكد واجتهاد لإجهاض فرص التحول الديمقراطى
وحصره في بعض التغييرات السياسية دون الاجتماعية
أشعر ببعض الآسى ممزوجا بالمرارة