الصفحات

29‏/12‏/2011

الديمقراطية ليست بدعة

يجب أن نسأل أنفسنا اولاً عن تعريف الديمقراطية ؟؟ ....
هلى هى مجرد حشد الجمهور للذهاب إلى صناديق الأنتخابات للأدلاء بصوتهم لأختيار نواب البرلمان أو مرشحى الرئاسة ؟؟ ...أم أنها فى جوهرها أعقد من ذلك ؟؟

الحقيقة أن الأقتراع هو أداة من أدوات الديمقراطية لكنه ليس مجمل الديمقراطية ولا يجوز ابداً أختزال الديمقراطية فى أنتخابات برلمان أو رئاسة ، لان هذا الأقتراع أو الأنتخابات يجب أن تتم على أسس ديمقراطية تتمثل فى قدرة الناخب على الأختيار الحر والواعى ، ويعتمد على المساواة فى الأمكانيات والوسائل التى تصون الحرية فى الأختيار ، ومن هذه الأمكانات المساواة فى درجة الوعى وفى معرفة الشعب لمختلف حقوقه ، وهو مالا يتوافر فى مجتمعاتنا العربية بسبب أرتفاع نسبة الآمية وتزييف الوعى لهذه الجماهير لعشرات بل لـ مئات السنيين من نظم حكم مستبدة وقاهرة.

الشرط الأهم فى موضوع الأنتخاب هو الحرية بأن يكون الفرد حراً ليختار ما يريد ويعرف ما يريد ولماذا يريد ، وأن يملك القدرة على تحقيق ما يريده.

التاريخ القريب لا تزال شواهده قريبة منا فها هو الحزب "النازى" يصل إلى ألمانيا عبر صناديق الأقتراع ، لكن بمجرد وصوله للسلطة أنقلب على الديمقراطية ، وكشف أنياب الأستبداد وجرف بلاده وأوروبا بل والعالم كله إلى واحدة من أكثر حروب العصر الحديث دموية راح نتيجتها الملايين من القتلى - ما بالك بعدد المصابين - ونزفت بسببها القارة الآوروبية دماء أجيال من أبنائها.
كما أن الثورة الأيرانية قريبة منا - من حيث التاريخ والجغرافيا - حيث كانت الثورة فى أيران ثورة شعبية قامت بها وحركتها قوى دينية وعلمانية وليبرالية وشيوعية ، وقد قالت الصناديق لـ الخمينى "نعم" وفجأة تحولت لدولة عقائدية دينية تحكمها الملالى
واليوم نرى أستبداد فى أيران أسوء من أستبداد "الشاه" وقمع ممنهج تنتهجه حكومات هذه الثورة بعد أن أستبدلوا الاستبداد السياسي باستبداد ديني.

فى أيامنا الحالية وها هى رياح الربيع العربى لم تهدأ بعد نرى بعض الناس
تقر بأن الديمقراطية " كفر، شرك ، بدعة " ...... هؤلاء يجب أن لا نرد عليهم  فهم نتاج لأفكار ركنوا أليها ووجدوا أن الرمى بالحجارة أهون من إعمال العقل بالبحث وأن القذف بالأتهام أيسر من أجهاد الذهن بالأجتهاد.


الديمقراطية ليست بدعة ولا كفر .....  عندما نقول ذلك ينبغى أن ننتبه تماما إلى أن هناك الكثير من القيم الحضارية التى أقرها الأسلام ، وحاز بفضلها قوته وقدرته على الأنتشار الواسع والتى تبدوا اليوم معطلة فى المجتمعات العربية ، وفى مقدمتها إعادة الأعتبار للأنسان الذى كن مستعبداً ومنزوع الحقوق ، تحريم الجرائم التى تتنافى مع حقوق الأنسان مثل القتل والسجن والقمع ، وإقرار مبدأ المساواة بين جميع البشر بلا تفريق بين طبقة أو جنس أو لون ، إضافة إلى أشاعة العدل وإقرار مبدأ رقابة الأفراد للحكام ، والنبى "صلى الله عليه وسلم" بكل ثقله الروحى ومكانته أعطى نموذجاً أنه بشر قد يخطىء وقد يصيب ، وأنه كان يطلب رأى أصحابه فى كثير من قراراته الدنيوية فأين المجتمعات العربية من كل هذا اليوم ؟؟؟ 
إن هذه القيم تعطلت ليس فقط فى المجتمع بل حتى عند الحركات والأحزاب الدينية نفسها ، التى تريد أن تسبغ على قياداتها وشيوخها صفات تقترب من القداسة ولا تقبل أن يختلف معهم أحد من أتباعها ، فما بالكم بـ الأنداد ؟؟؟ 

أن عملية التأصيل الثقافى لحقوق الأنسان فى فكرنا العربى المعاصر يجب أن تنصرف إلى إبرز "عالمية" حقوق الأنسان فى كلاً من مجتمعاتنا وثقافتنا العربية والأسلامية 
وهو ما يشير أليه د\ محمد عابد الجابرى فى كتابه "الديمقرطية وحقوق الأنسان"
بأن الأختلافات لا تعبر عن ثوابت ثقافية ، أنما ترجع إلى اختلاف أسباب النزول أما المقاصد والأهداف فهى واحدة ، والرجوع إلى أسباب النزول وبمعنى أوسع : الظروف العامة الأجتماعية والأقتصادية والسياسية والفكرية التى جعلت موقف هذا المُشٌرع أو ذاك من هذه القضية أو تلك على ما هو عليه أمراً ضرورياً وأكيد لفهم المعقولية التى تؤسس ذلك الموقف ، وذلك لتجنب الإنزلاق إلى ذلك الخطا المنهجى الخطيرالذى يقع فيه الكثير من الناس حين يحاكمون أمور الماضى بمقاييس الحاضر ومشاغله.

ويؤكد الجابرى على أن علمانية حقوق الأنسان فى الفكر الآوروبى الحديث لم تكن تعنى لدى الفلاسفة الأستغناء عن الدين كـ دين ، بل فقط التحرر من سلطة الكنيسة وطقوسها 
فقد بنوا معقولية حقوق الأنسان بأعتماد العقل وحده فعلاً لا ضداً ... لا ضداً على الدين
بل ضد الفهم التى تفرضه الكنيسة وما يرافقه من طقوس ، لقد أحتفظوا بالدين وازاحوا تقاليد الكنيسة وسلطاتها وأحلوا محلها العقل وسلطاته ، فهل يتناقض هذا الموقف فى شىء مع الموقف الأسلامى المؤسس لحقوق الأنسان على العقل والفطرة ؟؟


أن الديمقراطية بوصفها لا تتعارض مع المبادىء الجوهرية للأسلام والتى رفعت من شان حرية الفرد وكسرت الحواجز الطبقية بين البشر وأعلت من شان المرأة فى سبيل أقامة مجتمع الكفاية والعدل والمساواة ، وهذا ما يجب مراعاته من أى طرف من الأطراف التى تريد تشكيل حكومات ما بعد الثورة والربيع العربى  فى المنطقة العربية 
أن تكون الأسس جديدة بأسم المساواة والعدالة والأجتماعية والحرية لمختلف فئات المجتمع .