الصفحات

13‏/05‏/2012

بلدي يا بلد الفدائيين

سجلت أغاني السمسمية البورسعيدية الكثير من التفاصيل الإنسانية في زمن الحرب والتي أسقطتها الكثير من كتب التاريخ ... في أغنية ( بلدي يا بلد الفدائيين ) علي سبيل المثال نجد أننا أمام حدوتة بسيطة لجندي بورسعيدى شهيد كان يحرس القنصلية الإيطالية في وقت العدوان الثلاثى ومازال الشعب البورسعيدى يتغنى بهذه القصة فى أغانيهم ويرددونها فى أمسياتهم على أنغام السمسمية :


بلدي يا بلد الفدائيين
بلدي يا بلد الثوريين
بأفخر بيكي في كل مكان
وأحلف بيكي بألف يمين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

بلدي يا بلد الفدائيين
يا للي تاريخك كله نضال
يا للي شبابك كله جمال
يا ما ترابك فيه أبطال
هزموا جيوش المحتلين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

اسمع قصة جندي شهيد
ابن بلدنا الحر سعيد
ضحي بهمة وعزم حديد
يوم عدوان ستة وخمسين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

كان يومها ماسك دورية
ع القنصلية الايطالية
مليان حماسة ووطنية
عن الأعادي ما غمض عين

 أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

واقف وايده علي زناده
يحمي الاجانب في بلاده
ويحمي أرضه وأمجاده
من الوحوش الهمجيين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

لما العدو فقد عقله
من اللي شافه وحصل له
ضرب بوحشية قنابله
لكن قنابله تخوف مين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

قنصل ايطاليا طلع انسان
قال لسعيد أنا عندي أمان
تعالي تنجا من العدوان
واحنا لجميلك مش ناكرين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

رد سعيد بصوت عالي
بعد الوطن ايه يبقالي
أموت شهيد وطن غالي
ولا أشوفش راية المحتلين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

سقط شهيد الحرية
علي رصيف القنصلية
وتاني يوم الصبحية
بكوا عليه الايطاليين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

بلدي يا غنوة علي لساني
حبك في دمي وكياني
فداكي أهلي وأوطاني
وبكره راح نفدي فلسطين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين

بلدي يا بلد الفدائيين
بلدي يا بلد الثوريين
بأفخر بيكي في كل مكان
وأحلف بيكي بألف يمين

أه يا بلدي يا بلد الفدائيين


و تنتهي الأغنية برفض البطل للدخول في حماية القنصلية و استشهاده علي رصيف القنصلية حتي بكي عليه الإيطاليين في صبيحة ثاني يوم .





  الغنيوة على أنغام السمسمية




12‏/05‏/2012

الأستبداد الدينى


بقلم:   د. إمام عبد الفتاح إمام


الأصل فى الاستبداد أن يكون بشرياً فيذوق إنسان بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم. وينتهى به الأمر الى أن يصبح طاغية ويتحول الى ذئب - على حد تعبير أفلاطون! لكن البشر هالهم أن يتحول واحد منهم الى طاغية. فإذا كانت له هذه الطبيعة الغريبة فلابد أن يكون من سلالة أخرى تفوق سلالة البشر فأضفوا عليه طبيعة قدسية إلهية. هكذا إلّه المصريين القدماء فرعون مثلما فعل البابليون مع جلجامش. والشرق عموما بمن فيهم الفرس مع الإسكندر!

وعندما ظهرت الديانات السماوية ظهر معها مصطلح خاص لهذه الفكرة الغريبة وهو الثيوقراطية Theocracy فهى كلمة مؤلفة من مقطعين يونانيين Theos أى "اله" و Kratia أى حكم بمعنى الحكم لله أو السلطة لله "أو الحاكمية لله" . الخ وقد صاغه لأول مرة المؤرخ اليهودى يوسيفوس Josephus (100- 37 ق.م ) الذى ولد فى أورشليم ودرس الآداب العبرية واليونانية – وكان يعنى بهذا المصطلح التصور اليهودى للحكومة على نحو ما جاء فى التوراة التى تذهب الى أن القوانين الإلهية هى مصدر الالتزامات السياسية والدينية معاً. فالله عند يوسيفوس "هو الذى يحكم الشعب اليهودى بطريقة مباشرة أحياناً كما حدث عند خروجهم من مصر "عندما ارتحلوا فى طريق البّرية. وكان الرب يسير أمامهم نهارا فى عمود سحاب ليهديهم فى الطريق, وليلاً فى عمود نار ليضيء لهم لكى يمشوا نهاراً وليلاً, لم يبرح عمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً من أمام الشعب" (خروج 13: 20-21 ) كما يحكم الإله "يهوه" الشعب اليهودى بطريقة غير مباشرة أحيانا أخرى عن طريق الأنبياء – كما كان يحدث مع النبى موسى عندما يطلب منه الرب أن يبلغ بنى إسرائيل أن يفعلوا كذا وكذا (قارن مثلاً الإصحاح الرابع عشر من سفر الخروج).
وهكذا تغيرت طبيعة الاستبداد وأصبحت دينية فالسلطة مصدرها الله يختار مَنْ يشاء لممارستها, ومادام الحاكم يستمد سلطته من مصدر علوى فهو يسمو على الطبيعة البشرية وبالتالى تسمو إرادته على إرادة المحكومين إذ إنه هو المنفذ للمشيئة الإلهية. ولقد لعبت هذه الفكرة دوراً كبيراً فى التاريخ, وقامت عليها السلطة فى معظم الحضارات القديمة وأقرَّتها المسيحية فى أول عهدها وإنْ حاربتها فيما بعد ثم استند إليها الملوك فى أوروبا فى القرنين السادس عشر والسابع عشر لتبرير سلطتهم المطلقة واختصاصاتهم غير المقيدة.
على أن هذه الفكرة قد تطورت واتخذت ثلاث صور متتابعة هي: فى الأصل كان الحاكم يُعدّ من طبيعة إلهية فهو لم يكن مختاراً من الإله بل كان الله نفسه وقد قامت الحضارات القديمة عموما فى مصر وفارس والهند والصين على أساس هذه النظرية وكان الملوك والأباطرة يُنظر إليهم باعتبارهم آلهة وقد وجدت هذه الفكرة نفسها عند الرومان الذين كانوا يقدسون الإمبراطور ويعدونه إلها وإنْ كان الشرق هو أصلها ومنبعها!


تطورت النظرية مع ظهور المسيحية ولم يُعد الحاكم إلها أو من طبيعة إلهية ولكنه يستمد سلطته من الله فالحاكم إنسان يصطفيه الله ويودعه السلطة, وفى هذه الحالة تسمى النظرية "نظرية الحق الإلهى المباشر" لأن الحاكم يستمد سلطته من الله مباشرةً دون تدخل إرادة أخرى فى اختياره ومن ثم فهو يحكم بمقتضى الحق الإلهى المباشر.
منذ العصور الوسطى وأثناء الصراع بين الكنيسة والإمبراطور قامت فكرة جديدة مقتضاها أن الله لا يختار الحاكم بطريقة مباشرة وأن السلطة – وإن كانْ مصدرها الله – فان اختيار الشخص الذى يمارسها يكون للشعب. وبعبارة أخرى ظهر الفصل بين السلطة والحاكم الذى يمارسها فالسلطة فى ذاتها من عند الله و لكن الله لا يتدخل مباشرة فى اختيار الحاكم و إن كان من الممكن أن يرشد الأفراد الى الطريق الذى يؤدى بهم الى اختيار حاكم معين. ومن ثم فالله يختار الحاكم بطريقة غير مباشرة. ويكون الحاكم قد تولى السلطة عن طريق الشعب بتوجيه من الإرادة الإلهية أو بمقتضى الحق الإلهى غير المباشر. ( نظرية الحق الإلهى غير المباشر)
ولقد حاول بعض المسيحيين إقامة دولة دينية استبدادية على نحو ما فعل الراهب والمصلح الدينى سافونا رولا Savonarola (1452-1498) الذى شن حملة عنيفة ضد الفساد الأخلاقى الذى عرفته الكنيسة فى عصره. وبعد نفى آل مدتشى من فلورنسا وكان قد شملهم بحملته أنشأ فى هذه المدينة جمهورية دينية فنقم عليه الكرسى البابونى واتهمه بالهرطقة فشنق وأحرقت جثته على مرأى من سكان فلورنسا جميعاً. وكذلك حاول جون كالفن (1509- 1564) John Calvin اللاهوتى الفرنسى نشر راية الإصلاح البروتستانتى فى فرنسا ثم فى سويسرا ثم أنشأ حكومة صارمة فى جينيف وتميزت الكالفينية بالاستبداد والتزمت والصرامة.


ويقول برتراند رسل إن الذين حاولوا إقامة الدولة المسيحية أرادوا محاكاة الدولة اليهودية ووراثتها. ومن هنا كانت محاولة الملوك إبان العصور الوسطى ارتداء عباءة الدين أو الادعاء بأنهم يستمدون سلطاتهم من الله تبريراً لاستبدادهم!
أما فى العالم الإسلامى فقد كان الخليفة الثالث عثمان بن عفان هو أول مَنْ زعم أنه يحكم بتفويض إلهى عندما ثارت عليه الجموع من مختلف أنحاء الدولة الإسلامية: من مصر ومن الكوفة ومن المدينة. الخ بعد أن دب الفساد فى الدولة وطلبوا إليه أن يختار أمراً من ثلاثة إما أن يتنحى أو أن يسلم إليهم أقربائه أو يقتلوه ولكنه رفض العروض الثلاثة وقال عن التنحى عبارته الشهيرة "والله ما كنتُ لأخلع سربالاً سربلنيه الله"(أى لباسا ألبسنيه الله) – وكان ذلك أول إعلان بأن عباءة الخلافة يرتديها الحاكم بتفويض من الله فلا يخلعها بناء على طلب الناس "وكتب إلى معاوية فى الشام وإلى بنى عامر بالبصرة وإلى أهل الكوفة يستنجدهم فى بعث جيش يطرد هؤلاء من المدينة" – وكانت الثورة وتسور الناس الدار وكان منهم محمد بن أبى بكر الذى أمسك بلحيته وهو يقول "على أى دين أنت يا نعثل؟! " وصاحت عائشة فى الجموع " أقتلوا نعثلاً, قتل الله نعثلا!" تعنى عثمان] نعثل: الشيخ الأحمق [ وتركته وذهبت إلى مكة!
ثم جاء الأمويون الذين أعلنوا أن الخلافة حق من حقوقهم ورثوه عن عثمان كما عبرّ الشعراء عن ذلك:

تراث عثمان كانوا الأولياء له
سربال ملك عليهم غير مسلوب

وأشاع بعضهم فى أهل الشام أنهم استحقوا الخلافة لقرابتهم لرسول الله ثم استقروا على النظرية التى حكموا على أساسها ودعموا بها ملكهم الاستبدادى وهى أن الله اختارهم للخلافة وأتاهم الملك وأنهم يحكمون بإرادته ويتصرفون بمشيئته وأحاطوا خلافتهم بها له من القداسة حتى أصبح معاوية فى نظر أنصاره "خليفة الله على الأرض" وهكذا أصبحت السلطة من الله وليس للناس فيها رأى ولا مشورة وراح الشعراء يرفعون من نغمة التقديس إلى التأليه فلا يجد ابن هانى الأندلسى (938-973 م) بعد ذلك أى حرج فى أن يقول للخليفة الفاطمى المعز لدين الله:

ما شئتَ لا ما شاءتْ الأقدارُ
فاحكم فأنت الواحد القهارُ
وكأنما أنت النبيُ محمد
وكأنما أنصارك الأنصار


وهكذا نجد أن استعداد الشرقيين لتأليه الحاكم ليس وليد اليوم وإنما هو أمر موغل فى القدم منذ أن كان فرعون هو الإله الذى لا راد لقضائه فهو يعرف كل شيء بما فى ذلك مصلحة الشعب نفسه ثم مروراً بالعصر الوسيط حيث كان الخليفة الذى عينه الله بحكمته ليسوس الناس ويروضهم لما فيه صلاحهم فى الدنيا والآخرة إلى أن اخترعنا فكرة الزعيم الأوحد والمنقذ الأعظم والرئيس المخلّص ومبعوث العناية الإلهية والمعلم والملهم الذى يأمر فيطاع لأنه استعار صفة من صفات الله" لا يُسألُ عما يَفعلُ وهُمْ يُسألونْ " فأحلنا الاستبداد البشرى – بأيدينا – ليصبح استبداداً دينياً

05‏/05‏/2012

مذبحة القلعة 1811


" اللهم إضرب الظالمين بالظالمين وإخرجنا من بين أيديهم سالمين " 
بهذا الدعاء تعامل المصريون مع صراع محمد على والمماليك على حكم مصر ، لكن يشاء العلى القدير أن يضرب الظالمين بالظالمين ولا يخرج المصريين سالمين ، تدور رحى المذبحة فتصيب الآمنيين فى بيوتهم .

الملاحظ ..أن أطراف المذبحة ليسوا من أهل الوطن ، كلهم غرباء إستباحوا مصر وأهلها وخيراتها .. فـ المماليك عبيد صعاليك تم بيعهم فى مصر وتدربوا على حمل السلاح كانت لهم بطولات فى الدفاع عن الأمة الإسلامية يذكرها التاريخ ، لكنهم خلدوا إلى حياة المجون والجوارى والغلمان وتقوقعوا فى غرورهم وجهلهم .. عانى منهم المصريين بعد طرد الحملة الفرنسية ، وعندما إشتكوا إلى خورشيد باشا من جبروت المماليك الذين إستباحوا أعراض البنات والغلمان وسبى النساء وإستعباد الرجال قال لهم : أناس جاهدوا أشهرا وأياما ، قاسوا ما قاسوه فى الحر والبرد ، حتى طردوا عنكم الفرنسيز .. أفلا تسعونهم فى السكن ؟!!!!!

والطرف الآخر من المذبحة جنود من الجيش العثمانى ، قدموا مصر وقت الحملة الفرنسية ولم يخرجوا منها ، ومنهم محمد بك الدفتردار – تزوج زهرة هانم إبنة محمد على – وصالح قوش ومحمد لاظوغلى وعدد من الجنود الألبان ، جميعهم كانوا القبضة الحديدية للداهية محمد على والذى قراءوا عليه يوما صفحات من كتاب ميكافيلى – صاحب مقولة الغاية تبرر الوسيلة – فسخر منه وقال : أنا أعرف أكثر منه ..

المذبحة 1 مارس 1811
خرج الشعب المصرى لتوديع الجيش المسافر تحت قيادة الأمير أحمد طوسون الإبن الأكبر لـ محمد على لإخماد الحركة الوهابية فى الحجاز ..
أعد "محمد علي" مهرجانًا فخمًا بالقلعة لتوديع الحملة دعا إليه كبار رجال دولته، وجميع الأمراء والبكوات والكشاف المماليك، فلبى المماليك تلك الدعوة واعتبروا الدعوة زيادة فى الكرم ودليل رضاه عنهم، وقبل ابتداء الحفل دخل البكوات المماليك على محمد علي فتلقاهم بالحفاوة، ودعاهم إلى تناول القهوة معه، وشكرهم على إجابتهم دعوته، وألمح إلى ما يناله ابنه من التكريم إذا ما ساروا معه في الموكب، وراح محمد علي يتجاذب معهم أطراف الحديث؛ إمعانًا في إشعارهم بالأمن والود.
وحان موعد تحرك الموكب، فنهض المماليك وبادلوا محمد علي التحية، وانضموا إلى الموكب، وكان يتقدم الركب مجموعة من الفرسان في طليعة الموكب، بعدها كان والي الشرطة ومحافظ المدينة، ثم كوكبه من الجنود الألبان بقيادة صالح قوش، ثم المماليك ، وبعدهم جموع بكوات المماليك على صهوات جيادهم .
وتحرك الموكب ليغادر القلعة، فسار في طريق ضيق نحو باب "العزب"، فلما اجتاز الباب طليعة الموكب ووالي الشرطة والمحافظ، أُغْلِق الباب فجأة من الخارج في وجه المماليك، ومن ورائهم الجنود الألبان، وتحول الجنود بسرعة عن الطريق، وتسلقوا الصخور على الجانبين، وراحوا يمطرون المماليك بوابل من الرصاص، أخذت المفاجأة المماليك وساد بينهم الهرج والفوضى، وحاولوا الفرار، ولكن كانت بنادق الجنود تحصدهم في كل مكان، ومن نجا منهم من الرصاص فقد ذُبِح بوحشية.
وسقط المماليك صرعى مضرجين في دمائهم، حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث، ولم ينج من المماليك الأربعمائة والسبعين الذين دخلوا القلعة في صبيحة ذلك اليوم إلا واحد يسمى "أمين بك" كان في مؤخرة الصفوف، واستطاع أن يقفز بجواده من فوق سور القلعة، وهرب بعد ذلك إلى الشام.

وصل خبر تلك المذبحة إلى الجماهير المحتشدة في الشوارع لمشاهدة الموكب فسرى الذعر بينهم، وتفرق الناس، وأقفلت الدكاكين والأسواق، وهرع الجميع إلى بيوتهم، وخلت الشوارع والطرقات من المارة.

وسرعان ما انتشرت جماعات من الجنود الألبان ، في أنحاء القاهرة يفتكون بكل من يلقونه من المماليك وأتباعهم، ويقتحمون بيوتهم فينهبون ما تصل إليه أيديهم، ويغتصبون نساءهم، وتجاوزوا بالقتل والنهب إلى البيوت المجاورة ، ولم يسلم المصريون من هذه المحنة القاسية ، فأصابهم ما أصاب المماليك ، السفاحون الألبان لم يفرقوا بين قصور المماليك وبيوت المصريين فإستباحوا كل ما تصل إليه أيديهم .
وكثر القتل، واستمر النهب، وهتك الأعراض ، وسادت الفوضى ثلاثة أيام، قُتل خلالها نحو ألف من المماليك ومئات من المصريين ونُهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف السلب والنهب إلا بعد أن نزل محمد علي إلى شوارع المدينة، وتمكن من السيطرة على جنوده وأعاد الانضباط.

وكانت هذه الرسالة الثانية من محمد على لكل من يحاول أن يعارضه ، وكانت الأولى نفى الزعيم السيد عمر مكرم .


رؤس البكوات المماليك على باب مسجد الحسنين - بريشة جان ليون جيروم - الذي عاش بالقاهرة بعد 20 سنة من المذبحة

المصادر ..
تاريخ الجبرتى
مصر من نافذة التاريخ .. جمال بدوى

الثورة الفرنسية الثالثة

اندلعت عام 1848 وربما يكون من المفيد ان نشير اولا الى الثورتين الاوليتين لما لهما من تأثير بالغ على مسار الثورة الفرنسية الثالثة. بل ان البعض يقول ان الثورة الثالثة ما هي الا المرحلة الثانية من الثورة الثانية اللتى اندلعت عام1830 .
كانت الثورة الفرنسية الاولى عام 1789 تجربة تاريخية فريدة بالنسبة لفرنسا وللعالم كله. فهذه الثورة اللتى استمرت 10 سنوات تقريبا كانت حقل تجارب سياسية لنظم الحكم المختلفة. فلقد استفاد العالم كله من تجربة فرنسا في تلك الفترة في كيفية اعداد الدساتير وتقييم نظم الحكم المختلفة. فقد بدأت الثورة عندما كان نظام لويس السادس عشر قائما ونظام حكم لويس السادس عشر كان نظاما ملكيا مطلقا ينسب شرعيته الى ارادة الله.  فكل نظم الحكم الاوروبية في ذلك الوقت كانت تري ان انفرادها بالملك انما هو ارادة الله وقدره. ولو اراد الله غير ذلك لما جلسوا فوق عروشهم. وبالتالى فان اي خارج او ثائر عليهم انما هو رافض لقدر الله متحديا لارادته.فالنظام الملكي المطلق كان هو نظام الحكم الاول. وفي يوليو عام 1789 عندما ثار الفرنسيون على النظام لم يطيحوا بالملك ولكنهم ابقوا عليه في اطار نظام حكم جديد وهوالنظام الملكى الدستوري. اى ان الملك يبقى ملكا بارادة الشعب كما ان للشعب ارادة يسير بها اموره. وبعد فترة تم اتهام الملك بمعاداة الثورة وانه يدعو لغزو فرنسا من الخارج  من اجل ارجاع النظام الملكي القديم مرة اخرى. وتم اعدام الملك و اعلان الجمهورية الفرنسية الاولى. وكان هذا نظام حكم مختلف ثالث. لكن الجمهوية غرقت بعد ذلك في بحار من الدماء فقد كان الكل يخون الكل وتدحرجت عشرات الالاف من الرؤوس تحت سكين المقصلة و اثارت اللجان الشعبية اللتى ملأت الشوارع الذعر والهلع. واحس الناس بانعدام الامن والامان وكانوا يشتاقون الى من يعيد لهم الامن والطمأنينة. وهنا ظهر نابليون بونابرت على الساحة فحقق الامن. ولكنه كان ديكتاتورا انهى النظام الجمهوري  واعلن نفسه امبراطورا لفرنسا. وكان هذا  نظام حكم جديد مرة اخرى.
وحقق نابليون الامن وحفظ دماء الفرنسيين داخل فرنسا و لكنه اراقها  انهارا خارج حدود فرنسا. فقد كان نابليون ذا خطط و احلام استعمارية توسعية خاض وتسبب في حروب جمة وكان اسمه يثير الرعب و الفزع فى اوروبا. وفي النهاية فشل مشروع نابليون وتم اسقاطه ونفيه خارج فرنسا.

رأى الفرنسيون بعد ذلك ان النظام الملكى هو افضل نظم الحكم الممكنة. فكل الدول الاوربية الاخرى كانت ملكية. واي نظام اخر سوف يكسبهم عداوة باقى الدول الاوروبية. فتولى مقاليد الحكم لويس الثامن عشر وهو كان ينتمى الى اسرة البوربون و اعتبروا ان ملكه امتداد لحقبة لويس السادس عشر. ولكن الحقبة الملكية الدستورية. ولكن الملك الجديد كان من داخله يريد اعادة النظام الملكى المطلق مرة اخرى. وحاول بقدر الامكان ان يسير بفرنسا في هذا الاتجاه. ثم مات لويس الثامن عشر فخلفه في الحكم اخوه شارل العاشر اللذي كان ملكيا متطرفا يريد ان يرجع الامور الى سابق عهدها بشكل فج فاصدر عدة قرارات عام 1830 من اجل انهاء حرية الصحافة و الغاء مجلس النواب وتخفيض عدد الفرنسيين اللذين يحق لهم التصويت الى 25% من العدد الحالي. فلم يتحمل الشعب الفرنسى هذه العجرفة وهذه القرارات فخرج الشعب الى الشارع في مظاهرات حاشدة وهرب الملك الى خارج البلاد. وكانت هذه ثورة 1830. وهنا صنع الشعب الفرنسى شيئا عجيبا فقد قال مرة اخرى فليكن الحاكم ملكا. ولكن في هذه المرة نحن سوف ننصب واحدا عاديا من الشعب ولاينتمى لاى اسرة مالكة او نبيلة ملكا . فاختار الشعب لويس فيليب ملكا عليهم بعد ان كان مواطنا عاديا. واسمحوا لي بهذه المزحة كان لويس فيليب ملكا ورجل اعمال! لويس فيلييب كان اغنى انسان فرنسى في ذلك الزمن وهو كان ينتمى الى الطبقة البرجوازية. طبعا لايجب الخلط بين الطبقة البرجوازية وطبقة النبلاء. فطبقة البرجوازية كانت طبقة صاعدة في اوروبا تضم رجال الاعمال او بمعنى ادق هم اصحاب الاعمال اللذين لايكسبون قوتهم عن طريق عمل يدوي مباشر بل عن طريق امتلاكهم لوسائل الانتاج كرأس المال او المعدات او العمالة. وهذه الطبقة لم تكن بالضروة ثرية. فهي كانت تضم 3 فئات: البرجوازيون الصغار وتلك الفئة كانت تشمل اصحاب المقاهي و الحوانيت الصغيرة او ماشابه ذلك. والطبقة الثانية هي البرجوازية الصناعية اللتى كانت تضم رجال الاعمال المرتبطة طبيعة عملهم بالصناعة. ثم كانت هناك فئة البرجوازية المالية واللتى كانت تضم اصحاب البنوك و المضاربون في البورصة وملاك الاراضي.

وكان لويس فيليب يعتبر نفسه من ضمن البرجوازيين الصغار لكن كل قرارت عهده كانت تصب في صالح البرجوازيين الماليين ولم يأبه للبرجوازيين الصناعيين او اللبرجوازيين الصغار. فاللذين كان لهم حق التصويت في تلك الفترة وطبقا للدستور الفرنسى كانوا ملاك الاراضى فقط. وبالتالى كانت كل الحكومة منهم وكانت كل القرارات تصب في صالحهم. فكانت حكومة لويس فيليب هي حكومة رجال الاعمال او بمعنى ادق رجال المال. وازدادت ثروة هذه الطبقة بشكل ضخم حين سادث حالة من  الكساد في فرنسا في الاعوام 1846 و 1847 ولكي يستطيع البرجوازيون الصغار تسيير امورهم  فقد اقترضوا قروضا كبيرة من رجال المال اللذي ازدادت ثرواتهم بهذا مرة اخري. وكان المطلب الاساسى للشعب اللذي ينادي به معظم الناس هو حق التصويت وبالتالى يجلس نواب عنهم في البرلمان وتدخل عناصر منهم الى داخل الحكومة لتأخذ قرارات تتبنى مصالحهم. وكان الفرنسيون ينظرون بعيون تملؤها الحسد نحو الانجليز حيث لم تقم عندهم اى ثورة وبالرغم من ذلك فقد صدر قرار بمنح كل من يدفع ضرائب للدولة تزيد قيمتها عن 10 جنيهات سنويا حق الانتخاب. وكانت وسيلة الفرنسيين في التعبير عن هذا تظهر من خلال الموائد الشعبية حيث كانت المظاهرات السياسية و التجمهرات ممنوعة في ذلك الوقت. فكان الفرنسيون يجلسون على هذه الموائد العامة يعلون الصوت بمطالبهم ويهتفون للحرية و للمساواة وللأخوة. ثم حدث واصدرت الحكومة قانونا تمنع فيه تلك الموائد. فكان الحنق و الغضب عظيمين.ورشحت الانباء ان الصقليين قد قاموا بثورة ضد حكم اسرة البوربون و اعلنوا استقلالهم فكان هذا الخبر كالشرارة اللتى انطلقت في مناخ متوترفانفجر الموقف. فخرج الفرنسيون الى الشارع يهتفون باسقاط الحكومة وكان طوفان الباريسيين في الشوارع لانهاية له.فاضطر الملك الى اقالة رئيس حكومته بعد يوم واحد من اندلاع المظاهرات. وفرحت الجماهير بسماع الخبر وانطلقت الى مبنى البرلمان تحوطه واراد البعض اقتحامه. وبسبب خطا ارتكبه احد الظباط فقد اطلق الجنود الرصاص على الشعب. فراح ضحية هذه الحادثة 52 انسان. فخرجت كل الجماهير تهتف بسقوط الملك. اللذي هرب الى انجلترا.

واسس الثوار جمهوريتهم الثانية في 23 فبراير عام 1848 . وتولت حكومة مؤقتة السلطة. ودعت الى انتخابات عامة بعد شهر تقريبا لاختيارجمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا وتشكل حكومة وتحضر للانتخابات الرئاسية. واصدرت الحكومة المؤقتة قرارين في غاية الخطورة. القرار الاول هو اعطاء حق الانتخاب لكل الفرنسيين الذكور. وكان معنى ذلك اضافة 9 مليون ناخب جديد الى من يحق لهم الانتخاب. وبقى محظورا على المرأة الانتخاب كما كان الحال في كل الدول الاوروبية. اما القرار الثاني فكان اقرار ان حق العمل حق اساسي للمواطن الفرنسي وقامت الدولة بانشاء ورش عمل وطنية لمنح المتعطلين عن العمل فرصة لكسب الرزق عن طريق تعبيد الطرق او زرع الاشجار. فحصل اقبال رهيب على ورش العمل هذه وتم توظيف مئات الالوف بهذه الطريقة.
لكن ازمة فرنسا الاقتصادية كانت مرعبة. فعندما فر لويس فيليب لم يفر وحده انما فر معه الاثرياء باموالهم فحدث نزوح رهيب للثروة الى خارج فرنسا. كانت ايرادات البلد متوقفة و الاضرابات و المظاهرات قد شلت حركة البلد. ثم ان مشروع ورش العمل الوطنية قد كبد خزانة الدولة تكاليف باهظة.فمن اين تأتى الحكومة بالاموال؟ قد قررت رفع الضرائب على الفلاحين وملاك الاراضى الزرعية.لكن الفلاحين رفضوا تنفيذ هذا القرار. وقالو ان الدولة تريد ان تحل مشكلة اهل المدن الكسالى على حساب الفلاحين المظلومين. فبالتالى كانت ورطة الحكومة المؤقتة ضخمة. وساد وسط الفرنسيين ذعر وقلق بشأن المستقبل وفي اثناء هذه الظروف وبعد شهر من انطلاق الثورة نظمت قوى المحافظين انفسهم وكان شعارهم عودة النظام وانهاء حالة الفوضى. واسسوا حزبا يحمل اسم النظام. وكان معنى النظام عندهم عودة الامور كسابق عهدها ايام لويس فيليب. وفي هذه الاجواء تم تنظيم الانتخابات. وللمفاجاءة لم يحصل الثوارسوي على مقعد واحد واحد  في داخل المجلس التاسيسي  وكانت حصة الاسد لصالح حزب النظام وللقوى المعتدلة.  فشعر الثوار بخيبة الامل. وكانت الثورات الاوربية في بلاد اخرى قد بدأت في الحدوث .فاخذ الثوار يضغطون على الحكومة من اجل دعم تلك الثورات وخصوصا ثورة بولندا.

وتغيرت خريطة الثوار فبعد ان كانت تضم طبقة العمال والطبقات البرجوازية الصغيرة و الصناعية. وكانت لهذه الطبقات دورا مهما في ثورة 1848 وخصوصا طبقة البرجوازيين الصغار. تغيرت هذه الخريطة واصبح البرجوازيون و العمال يقفون في صفين متضادين. فلقد رأى البرجوازيون ضرورة الاستقرار واهمية ان تدور عجلة الحياة مرة اخرى. وخصوصا البرجوازيون الصغار اللذين كانوا على وشك الافلاس او افلسوا بالفعل.

ثم اصدرت الحكومة في شهر يونيو قرارا بالغاء ورش العمل الوطنية فثارت ثائرة العمال فخرجوا الى الشوارع ونصبوا المتاريس وقطعوا الطرق. وقامت حرب شوارع بين الثوار وقوات الجيش اللذي وصل عدد قواته الى اكثر من 120 الف. ووقف البرجوازيون وخاصة الصغار كما قلنا على الجانب المقابل وتم القضاء على هذه الانتفاضة. وكانت هذه الحادثة اشارة الى ان الثورة قد انتهت. والمفاجاءة انه بعد ان هدأت الامور وبعد ان بذل البرجوازيون الصغار جهدا ضخما في القضاء على انتفاضة العمال وجد البرجوازيون الصغار انفسهم في مقابل دعاوى قضائية لرد الديون اللتى عليهم واللتى هي واجبة السداد الان. وكان معظم هولاء عاجزين عن دفع ايجار محالهم منذ بداية الاحداث من الشهر الثاني. وفشلت كل المحاولات لجدولة ديون هؤلاء البرجوازيين الصغار على اعتبار ان الاحداث الثورية كانت السبب الاساس خلف تعثر هؤلاء الافراد. وكان سبب هذا الفشل تعنت البرجوازيين الماليين ووجودهم القوي في المجلس التأسيسى والحكومة. فافلس هؤلاء البرجوازيون الصغار و اضطروا مرة اخرى الى العودة الى صفوف العمال من اجل البحث عن عمل مقابل اجر.

وهنا فقدت شريحة كبيرة من القوى اللتى قامت بالثورة مكانها. ثم اقيمت الانتخابات الرئاسية في شهر ديسمبر عام 1848 وكان هناك 4 مرشحين متنافسين اهمهم لويس بونابرت وهو كان ابن اخى نابليون بونابرت. وكان دكتاتورا متسلطا ولكن الناس رأت ان الامان مع دكتاتور قادر خير من عدم الامان مع الثورة. وحصلت الانتخابات وحصل بونابرت على4 اضعاف عدد الاصوات اللتى حصل عليها اقرب منافس له. وكان اسم عائلته بونابرت من عوامل نجاحه فلقد اختاره دعاة الملكية ومعظم افراد الجيش وكل الفلاحين. وتم انتخاب مجلس وطنى ذو سلطات مع نابليون. وبعد 3 سنوات حل لويس بونابرت هذا المجلس رغم ان سلطاته الدستورية لم تكن تسمح له بذلك واعلن نفسه امبراطوارا للبلاد واطلق على نفسه اسم نابليون الثالث.