الصفحات

17‏/10‏/2013

حصان نيتشه


3 يناير 1889 .. إيطاليا .. تحديداً فى مدينة تورينو .. فريدريش نيتشه 45 عاماً يخرج من المنزل رقم 6 ، يقال أنه كان خارج للنزهة أو للمرور على مكتب البريد ليستلم رسائله، وفى مكان ليس ببعيد عنه كان هناك حوذى "عربجى" يعانى من حصانه الذى وقف بلا أدنى حركة، يقال أن الحصان كان مجهد ومتعب للغاية ورغم ألحاح الحوذى لم يستطيع الحصان التحرك، عندها فقد الحوذى صبره وأخرج السوط وأنهال على الحصان ضرباً .. فى هذه اللحظة يصل نيتشه لنفس المكان، ويضع حداً لهذا المشهد المأساوى الذى يقوم به السائق، وفجأة يقفز نيتشه إلى العربة ويحتضن الحصان بكلتا يديه ويدخل فى نوبة نحيب وبكاء هيستيرى وسط دهشة الحوذي والمارة ثم يغمى عليه ويقع على الأرض وكأن قوته قد خانته بعد الدفاع الحار عن الحيوان، فيأخذوه إلى منزله الذى ظل فيه غائب عن الوعى لمدة يومين، ليفيق بعدها ويظل صامتاً وهادئا إلى أن يقول كلماته الأخيرة التي نطق بها: "أماه، كم أنا أحمق" .. بعدها عاش نيتشه مصاباً بلوثة عقلية 11 سنة أخرى صامتاً شارد الذهن، مضطرب العقل في هدوء، متنقلاً بين المصحات العقلية حتى مات فى سويسرا وهو ترعاه أمه واخوته، أما الحصان فلم يعلم احد عنه شيئاً ..

الفيلسوف نيتشه الذى مجد القوة والبطش وتنبأ بالأنسان السوبر، الفيلسوف الذى ألهم هتلر روح النازية، الفيلسوف الذى قال أن الرحمة ستؤدى إلى تضاعف أعداد الضعفاء والمهازيل، كان عطفه الإنساني على حصان منهك القوى سبباً لجنونه وكان رغم كراهيته للرحمة كان أمس الناس لها فى نهاية حياته .. نيتشه التى طافت أفكاره المتطرفة كل العالم يقع فريسة موقف قد يراه البعض موقفاً عادياً بينما ذلك الفيلسوف رأى ذلك الموقف عميقاً ليمس تلك الروح المرهفة التى رأت فى النهاية أنه مسئول عن أستجلاب تلك الأفكار الكارثية، ليكتشف فى نهاية حياته أنه عاش أحمق.
 
فى نهاية حياة نيتشه .. خبأ نور عينيه وظل ملازماً الفراش إلى يوم وفاته سنة 1900 وكشف المراسلات التي تبادلها صديقه أوفرباخ مع والدة الفيلسوف وأخته عن مآسٍ لا حصر لها، لأنها وصفت حالة نيتشه بالتفصيل بعد إصابته بالجنون وذهاب عقله كما دلت على الصبر والتضحية من جانب السيدتين لرعايته "رحمة به" ...


"أحبك نيتشه .. لأنك جعلت زرادشت يتكلم .. ولأنى أتخيلك دوماً محتضناً عنق حصانك، غارقاً في نحيب هستيري رحمة به" 
 
 
 نيتشه مع والدته فى نهاية حياته

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق