الصفحات

16‏/03‏/2014

دوستوفيسكى .. والأعدام



عند إعتلاء الإمبراطور نيقولا الأول العرش في روسيا تفجرت ثورة الديسمبريين في أوساط الجيش، في 14 ديسمبر 1825. قاد ضباط الجيش الإمبراطوري حوالي 3000 جندي في احتجاج ضد تولي القيصر نيقولا الأول العرش وضد الحكم القيصرى ونظام القنانة والمطالبة بـ إجراء إصلاحات ليبرالية سياسية واجتماعية في روسيا، بسسب حدوث هذه الأحداث في ديسمبر سمي المنتفضون بالديسمبريين وأدت إلى إضطرابات دامية، فى النهاية تم سحق ثورة الديسمبريين وتم أعدام المحرضين لهذه الثورة وتم نفى الآخرين لـ سيبيريا وفى لحظة فائقة الجمال تثبت مشاركة المرآة فى تلك الثورة التى قامت بها فئة من النبلاء ورجال الجيش حيث رافقت زوجات المحكوم عليهم بالنفى والاعمال الشاقة طواعية إلى سيبيريا وبقين معهم هناك، حيث برهنت الزوجات على أخلاصهن ووفائهن لـ أزواجهن عندما رافقوهم وشاركوهم معاناتهم فى المنفى وقد تغنى الشعراء فى مأثر أخلاص ووفاء الزوجات الروسيات .. أما الشاعر العظيم ألكسندر بوشكين فـ وجه رسالة لـ الثوار تقول
"كن على ثقة يا رفيقي ..
بأن يأتي فجر السعادة الجذابة ..
وتنهض روسيا من سباتها ..
وستسجل أسماءنا ..
على أنقاض حكم الطاغية.."

القيصر نيقولا الأول وافق على القيام ببعض الإصلاحات التي طالب بها الثوار لكن بشرط أن ينفذها هو بنفسه دون ضغط من التيار الثوري. نشأت بعد هذه الإنتفاضة الشهيرة عدة تنظيمات ثورية سرية .. إحدى هذه التنظيمات الثورية كان تنظيم يسمى بـ "تنظيم بتروشيفسكي"، وكان التنظيم يضم بين أعضائه الروائى "ديستوفيسكى" وكان التنظيم يدعوا لـ تحرير الأقنان وإصلاح القضاء وتحرير العبيد ويناقش أفكار الفرنسى شارل فورييه، ويقدمون أبحاث ومناقشات طويلة عن الإلحاد والدين والكفاح ضد الرقابة والأسرة والزواج، كان شارل فورييه ينتقد بعنف العالم الرأسمالي، ويشبه التجار والمضاربين بأكلي لحوم البشر والمستعمرين الجدد الذي يقوم نظامهم الاقتصادي على الظلم والفوضى والبؤس، ولا مناص من تبدل جذري في المجتمع لإنقاذ أفقر الناس. ولتحسين وضعهم يجب أن تقف الطبقة العاملة والمجتمع لخلق جمعيات زراعية وصناعية لتنظيم حياة مشتركة

دوستويفسكي كان معجب بأفكار فورييه لـ وهلة ولكنه لم يكن يتطلع إلى ثورة عارمة وانتقال السلطة إلى طبقة اجتماعية جديدة، ولم يستطع هو نفسه أن يكون ثورياً حسب تصور بعض أعضاء التنظيم رغم الحماسة التي يبديها .. فقط، لمرة واحدة فقط، ولأول مرة في حياته تعاطف مع الثورة لقد تعاطف مع أفكارها العميقة وأعلن استعداده للمساهمة في تطبيقها، ولكن بأعتباره كاتباً لم يكن مستعداً للدفاع عن هذا الهدف بـ حمل السلاح، بل كان يتطلع إلى خدمة الشعب المتمرد عبر القلم

في ساعة مبكرة من صباح 23 أبريل 1849 وبأمر شخصي من القيصر نيقولا الأول ألقت الشرطة القبض على "دوستوفيسكي" ومعه مجموعة كبيرة من أعضاء تنظيم بتروشيفسكي، إذ قام أحد أعضائها بالوشاية .. بعد 9 أشهر قضاها "دوستوفيسكى" في زنزانة منفردة حكم عليه بالإعدام هو ومجموعة من أعضاء التنظيم ، تم أقتيادهم لساحة الإعدام بعد أن تم ألباسهم قمصاناً بيضاء وعلى صوت الطبول قرئ عليهم الحكم بالإعدام رمياً بالرصاص، وأوثق ثلاثة منهم إلى أعمدة خشبية مغروزة في الأرض. كان الروائي ينتظر دوره في المجموعة الثلاثية الثانية، وقف أمام الثلاثة المقيدون مجموعة من الجنود شاهرين بنادقهم المحشوة بالرصاص، وظل المحكومون ينتظرون تنفيذ الحكم مدة نصف ساعة في صقيع بلغ 10 درجات تحت الصفر، طلب أحدهم أثناء الإنتظار إطلاق النار لأن إنتظار الموت أصعب من الموت نفسه، ثم جاءت عربة، وقرئ على المحكومين قرار القيصر بتخفيف الحكم من حكم بالإعدام إلى حكم بالأعمال الشاقة، وكانت هذه العملية تمثيلية مدبرة من القيصر ، لكي يفقدهم عقولهم، ويظهر بالوقت ذاته مظهر الرحيم الغفور .. وقد فقد أحدهم عقله فعلاً بعد تخفيف الحكم.

شعر "دوستوفيسكى" بعد إستبدال القرار وكأن حياة جديدة وهبت له، وكأنه ولد من جديد، حتى رؤيته للفكر الإشتراكي وإمكانية التغيير بقوة اليد بعد أن خرج من السجن تغيرت وحدث تطور نوعي في فكره، رأى دوستويفسكي أن الإشتراكيون يريدون إعادة خلق الإنسان وتحريره وتصوره دون إله، وهم على قناعة بأن تغيير واقع الإنسان الاقتصادي هدف لا يمكن تحقيقه إلا بالقوة، هل يمكن الوصول إلى كل هذا بإستخدام السلاح، فيقول دوستوفيسكى: "إن المسألة بهذه الصورة مقامرة بالإنسانية كلها"

الأعمال الكاملة لـ مولانا فيودور دوستوفيسكى
http://goo.gl/ogtyCC



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق