الصفحات

16‏/03‏/2014

وحيد القرن



يوجين أونيسكو كاتب فرنسى ومسرحى عام 1952 كتب مسرحيته الشهيرة "وحيد القرن" المسرحية جوهرها هو وصف كيفية نمو جذور الفاشية والشمولية، وكيف يمكن أن تعيد الإيديولجيا تشكيل عقول الناس.

تجرى أحداث المسرحية فى مدينة فرنسية صغيرة ومغمورة يشاهد سكانها عدداً من حيوانات "وحيد القرن" تتجول في شوارع مدينتهم، تعطي انطباعاً لهم فى البداية أنها هاربة من حديقة حيوانات، لكن رويداً رويداً يتضح لهؤلاء الناس بأن حيوانات "وحيد القرن" ما هى إلا هم أنفسهم، يصاب الناس بـ وباء “وحيد القرن”، تنمو على رؤسهم قرون حيوان "وحيد القرن" وتصبح جلودهم كـ جلد حيوان وحيد القرن ليصبحوا قطيعاً من ذلك الحيوان ينشر الخراب والدمار في المدينة .. حتى أحد شخصيات المسرحية الذي بعد محاربته للوباء بكل قوة والذي وصف الوباء بالوحشي ينمو له “قرن” هو أيضاً ويستسلم لـ الوباء فى النهاية .. يتحول الجميع فى النهاية إلى حيوان “وحيد القرن” لكن من بين جميع سكان هذه المدينة، يصمد شخص واحد فقط اسمه "بيرانجيه" أمام الوباء يبقى صامداً ومصراً على أن يحتفظ بآدميته ويرفض أن يتحول إلى "وحيد قرن".

شخصية "بوتارد" كانت أكثر الشخصيات الملفتة للنظر فهو يظل بتفاخر بأنه شخص "تنويرى" يمتلك عقلية ممنهجة ذو منطق، وأنه يملك تفسيراً علمياً لمغزى العالم، ظل يقنع الناس بكل أنواع السبل والبراهين أن ظهور حيوانات "وحيد القرن" هى مجرد أوهام لـ الصحافيين، بل هو يظل مصراً على أن الوباء مجرد وهم، حتى حين يراه بأم عينيه يقول: "أنا لم أر شيئاً، هذا مجرد وهم"

هناك شخصية أخرى مثيرة وهى شخصية "جان" صديق "بيرانجيه" وهو المدافع المستميت لـ وباء "وحيد القرن" ولفكرة غريزة القطيع والتفكير الجمعى وأستنكاره لـ مبدأ أن البشر أفضل من وحيد القرن ودفاعه عن حق البشر في أن يتحولوا لـ وحيد القرن، وفى المسرحية يستفهم بيرانجيه من صديقه جان:"هل تلمح أننا يجب أن نستبدل قوانين الأخلاق بقوانين الغاب؟"، يجيبه جان:"نعم، علينا أن نبني حياتنا على أسس جديدة، علينا العودة إلى برائتنا البدائية"

فى نهاية المسرحية يتحول جميع سكان المدينة لـ مسوخ من حيوانات "وحيد القرن" .. تطفأ الأنوار، ويصرخ "بيرانجيه" بكلماته الأخيرة، يطلقها في فضاء العتمة قائلاً:“أنا آخر من تبقى، وسأبقى كذلك، لن استسلم” ..

أمثلة شخصيتا "جان" و"بوتارد" قد توغلوا فى مجتمعنا المصرى، وأصبح أغلب المصريين أو المهتمين بـ الشأن العام يرون أن التحول إلى “وحيد قرن” أفضل من المخاطرة وخسارة كل شيء بأسم الحرية .. هؤلاء الذين يا طالما أستهزأوا من قرون "الخرفان" لم يتحسسوا جباههم أبداً ليتأملوا ذلك القرن الذى نبت فى رؤسهم .. وأصبح "بيرانجيه" المصرى ما بين مطرقة الخرفان وسندان وحيد القرن.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق