الصفحات

07‏/06‏/2013

مثالية راسكولينكوف فى "الجريمة والعقاب"




 
 
رواية "الجريمة والعقاب" رائعة فيودور دوستويفسكي عبارة عن ملحمة نفسية فلسفية والتي تحكي قصة طالب كلية الحقوق "راسكولينكوف" الذي ذابت ارادته في الصورة الوهمية التي رسمها خياله للإنسان المثالي، فإذا بـ جسده يصبح عبداً لعقله .. وإذا بـ الوهم يبرز للحياة، والحياة تتلاشي في الأوهام، وإذا بسلطان العقل يدفع الجسد إلي الجريمة ليختبر آرائه فيها.
 
 إن "راسكولينكوف" بتخطيطه لفعل الجريمة، بعد أن سوغها منطقياً، يحاول وفق وجهة نظره أن يصحح خطأ الواقع، فهو أراد قتل العجوز الغنية البخيلة لانه يرى أنها لا تستحق العيش، إنها بلا فائدة ولا فعالية، بل هي عبء على الحياة كما أعتقد "راسكو لينكوف"، ومن ثم فإنه رأى عملية قتلها عملاً مبرراً ومعقولاً، إنه ليس عنفاً، بحسب استدلالاته المنطقية كطالب يدرس القانون .. ونفس الروح التى رأت فى القتل أنه شىء مبرر تجد نفس الروح تتألم وتتعذب من أجل الآخريين، فتجد "راسكولينكوف" يسجد عند قدم "سونيا" التى أمتهنت الدعارة لكى تطعم أخوتها وأهلها الجائعين المشردين ليقول لها وهو يبكى : ” أنا لا اسجد أمامك أنتِ .. بل أمام معاناة البشرية كلها“ .. وها هو راسكولينكوف الأشتراكى الملحد الذي يعيش حياة تقشفية عندما يقع المال في يده لا يتردد في إضاعته في صدقة أو مساعدة بالرغم من احتياجه للمال .. ورغم ذلك لقد برر " راسكولينكوف " جريمتة قبل أن يرتكبها، برر الجريمة بناء على ما يعتمر في نفسه من ضلالات وأوهام بدت مقنعة بالنسبة له، هلاوس وأفكار إنسانية تدعوا الإنسان أن يكون مثالياَ في كل شي .. حتى لو أدى ذلك لإرتكاب مزيداً من الجرائم.
 
قتل "راسكولينكوف " المرابية العجوز لأنها مرابية تستغل حاجة الفقراء، قتلها لأنها تمثل الشر كما يعتقد ويتصور، لم يقتل المرابية من أجل لا شي، كان يؤمن بمبدأ، وإن كان هذا المبدأ مريضاَ فقد قرر ونفذ بناء على رؤية وتصور.
 
قتل " راسكولينكوف " العجوز لأنها مرابية ولأنها بعيدة عن المثالية بناء على تصوره، قتلها وهو مقتنع بـ أننا بقتل فرد واحد نستطيع أن ننقذ حياة ألوف غيره من العفن والفساد والتحلل .. يموت واحد ليعيش مئات. مسألة حسابية.

"رازومخين" كان شخصيتي المفضلة في هذه الرواية فضلته عندما قال :“الجريمة هى استنكار ضد التنظيم الاجتماعى السيء.” .. فى الواقع المثاليين هم الأكثر عرضة لـ أعتناق الأفكار الأكثر عنفاً ضد من يروهم غير مثاليون، وأنهم بتنفيذ جرائمهم يروا أنهم ينقذون آلاف من العفن والفساد .. رويداً رويداً يصبحوا آلات للقتل لكل من خالفهم، ويصبح المثالى ذو الروح الرقيقة المتألمة دوماً بفعل القتل روح آتية من باطن الجحيم، على أستعداد أن يقتل نصف العالم دون الشعور بأدنى ذنب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق